الْحَمْد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا العظيم سيد المرسلين وعلى آله الطيبين وأصحابه المختارين ومن والاهم واتبع سبيلهم الى يوم الدين أما بعد..
فهذه كلمات محب لكل حبيب له فى الله – على سبيل النصح الواجب- وخاصة لمن يخشى عليه من الغلو فى التشيع ومن ثم الإثم وقد قسمت نصيحتي الى مطلبين متكاملين أولهما فى التذكير بمكانة الصحابة وفضلهم رضوان الله عليهم كما جاء بالكتاب والسنة . والمطلب الثاني فى التحذير من بدعتي الرفض والنصب من خلال مختصر الكلام أولا عن الصحابيين الخليفة الراشد على بن أبى طالب ومعاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما وثانيا في بيان المقصود بالشيعة وذكرأقسام التشيع كما كتب عنه الإمام محمد بن إسماعيل الأمير الصنعانى اليمنى فى سياق تعليقه على ما كتبه الإمام ابن حجر العسقلاني عن الجرح التعديل في متنه المشهور فى علم مصطلح الحديث وأعنى به ( نخبة الفكر). المطلب الأول مكانة الصحابة وفضلهم . لقد علمنا بالاستقراء عبر عصور التاريخ أنه لا يستهدف صحابة رسول الله بالتنقص وتشويه سيرتهم الا كل مبتدع ضال فما يريد بذلك التنقص لهم- فى الحقيقة غالبا- إلا التشكيك فى الدين ذاته ومن هنا كان التذكير بفضيلة الصحابة من باب الدفاع السنة المطهرة فهم نقلتها الأوائل والمستأمنون عليها بقدر الله . هذا وقد اتفق أئمة الأمة فى الحديث والفقه على عدالة الصّحابة- رضي اللَّه عنهم أجمعين-كما دلت على ذلك نصوص متعددة من الكتاب والسنة –كما سيأتي ذكر بعضها – كما قال الإمام ابن حجر رحمه الله – فى مقدمة كتابه الإصابة – : وقد ذكر الخطيب في «الكفاية» فصلا نفيسا في ذلك، فقال: عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل اللَّه لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110] . وقوله: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة:
143] . وقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح: 18] . وقوله: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100] . وقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64] . وقوله: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ إلى قوله: إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 8: 10]- في آيات كثيرة يطول ذكرها، وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل اللَّه له إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من اللَّه ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد، ونصرة الإسلام. وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء ، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين- القطع على تعديلهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم. هذا مذهب كافة العلماء، ومن يعتمد قوله. ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرّازيّ، قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حقّ، والقرآن حق، وما جاء به حق،وإنما أدى إلينا ذلك كلّه الصحابة، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنّة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة. انتهى.-ومازال الكلام لابن حجر رحمه الله -والأحاديث الواردة في تفضيل الصحابة كثيرة، من أدلها على المقصود ما رواه الترمذي وابن حبان في «صحيحه» ، من حديث عبد اللَّه بن مغفّل، قال: قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم: «اللَّه اللَّه في أصحابي لا تتّخذوهم غرضا، فمن أحبّهم فبحبي أحبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللَّه، ومن آذى اللَّه فيوشك أن يأخذه» كما ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدريّ من قوله صلّى اللَّه عليه وسلم: «والّذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما أدرك مدّ أحدهم ولا نصيف » وتواتر عنه صلّى اللَّه عليه وسلم قوله: «خير النّاس قرني ثمّ الّذين يلونهم» ا ه . قال إمام الحرمين: والسّبب في عدم الفحص عن عدالتهم أنهم حملة الشّريعة، فلو ثبت توقّف في روايتهم لانحصرت الشّريعة على عصره صلّى اللَّه عليه وسلم ولما استرسلت سائر الأعصار ا ه. وقال ابن الصّلاح: «ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصّحابة ومن لابس الفتن منهم، فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتدّ بهم في الإجماع إحسانا للظّنّ بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر، وكأن اللَّه سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشّريعة»انظر مقدمته رحمه الله . وقال الإمام مالك: من انتقص أحدا من أصحاب النبي صلّى اللَّه عليه وسلم فليس له في هذا الفيء حق، قد قسم اللَّه الفيء في ثلاثة أصناف فقال: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ، يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً، وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ . ثم قال: وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم لمفلحون .- وهؤلاء هم الأنصار-ثم قال: وَالَّذِينَ جاءوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ، وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا، رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ .
قال الإمام أبو عمر يوسف ابن عبدالبر النمرى الاشبيلى المالكى رحمه الله فى مقدمة الاستيعاب أما بعد، فإن أولى ما نظر فيه الطالب، وعني به العالم- بعد كتاب الله عز وجل- سنن رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فهي المبينة لمراد الله عز وجل من مجملات كتابه، والدالة على حدوده، والمفسرة له، والهادية إلى الصراط المستقيم صراط الله، من اتبعها اهتدى، ومن سلك غير سبيلها ضل وغوى، وولاه الله ما تولى. ومن أوكد آلات السنن المعينة عليها، والمؤدية إلى حفظها، معرفة الذين نقلوها عن نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إلى الناس كافة، وحفظوها عليه، وبلغوها عنه، وهم صحابته الحواريون الذين وعوها وأدوها ناصحين محسنين، حتى كمل بما نقلوه الدين، وثبتت بهم حجة الله تعالى على المسلمين، فهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس،ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله عليه السلام، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه. قَالَ الله تعالى ذكره: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ» 48: 29 الآية. فهذه صفة من بادر إلى تصديقه والإيمان به، وآزره ونصره،ولصق به وصحبه، وليس كذلك جميع من رآه ولا جميع من آمن به، وسترى منازلهم من الدين والإيمان، وفضائل ذوي الفضل والتقدم منهم، فاللَّه قد فضّل بعض النبيين على بعض، وكذلك سائر المسلمين، والحمد للَّه رب العالمين ا ه وخلاصة القول فى فضل الصحابة والإجماع على عدالتهم نتذكر من الآيات الكريمة فى ذلك آيتين ومن صحيح السنة المطهرة بعضها المختار من الصحيحين على النحو التالي : 1-بسورة التوبة قال عز وجل: { وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) } قال ابن كثير: يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعدَّ لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم. قال الشعبي: السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار من أدرك بيعة الرضوان عام الحديبية. وقال أبو موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن سيرين، والحسن، وقتادة: هم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: فيا ويل من أبغضهم أو سَبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم. 2- قال تعالى فى سورة الفتح : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)} يخبر تعالى عن رضاه عن المؤمنين الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وقد تقدم ذكر عدتهم، وأنهم كانوا ألفا وأربعمائة، وأن الشجرة كانت سمرة بأرض الحديبية.وقد تقرر فضلهم أيضا بالسنة الصحيحة جملة وتفصيلا. 3- وفى فضل أهل بدر روى الامام مسلم بسنده عن عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ، وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ فَقَالَ: «ائْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوهُ مِنْهَا» فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا، فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ، فَقُلْنَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟» قَالَ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ – قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا – وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ» فَقَالَ عُمَرُ: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ: ” إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ . 4-وقال رحمه الله حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ،عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ جَاءَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو حَاطِبًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا، فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ». -وفى فضل الصحابة عامة قال الامام مسلم بن حجاج – رحمه الله- 5- حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: سَمِعَ عَمْرٌو جَابِرًا، يُخْبِرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، ثُمَّ يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ رَأَى مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ “- ورواه البخارى رحمه الله عن شيخه على بن عبدالله بنفس السند وفى أول المتن هل فيكم من صاحب رسول الله –قال النووى : وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ – وجاء بالفتح : وَضَبَطَ أَهْلُ الْحَدِيثِ آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ عَلَى الْإِطْلَاقِ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَكَانَ مَوْتُهُ سَنَةَ مِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ أَحَد . 6-قال مسلم رحمه الله : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، جَمِيعًا عَنْ غُنْدَرٍ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ، حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ، سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ يُحَدِّثُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» – قَالَ عِمْرَانُ: فَلَا أَدْرِي أَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ قَرْنِهِ، مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً – «ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ» -ورواه البخارى عن اسحاق عن النضر عن شعبه الخ وروى مسلم بسنده عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» وَاللهُ أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لَا، قَالَ: «ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ، يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا»وروى بسنده عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ، ثُمَّ الثَّانِي، ثُمَّ الثَّالِث .قال النووي : وَرِوَايَةُ خَيْرُ النَّاسِ عَلَى عُمُومِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا أَفْرَادُ النِّسَاءِ عَلَى مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَغَيْرِهِمَا بَلِ الْمُرَادُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ قَرْنٍ بِجُمْلَتِهِ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْقَرْنِ هُنَا فَقَالَ الْمُغِيرَةُ قَرْنُهُ أَصْحَابُهُ وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَالثَّالِثُ أَبْنَاءُ أَبْنَائِهِمْ – وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةُ وَالثَّانِي التَّابِعُونَ وَالثَّالِثُ تَابِعُوهُمْ .وفى النهى الصريح عن سبهم :7- وقال مسلم رحمه الله : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ،أَخْبَرَنَا، أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدرى – رضي الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»
المطلب الثاني كن سالما لاتقترب ! أولا : الكلام على هذين الصحابيين وأعنى بهما الخليفة الراشد سيدنا الامام على بن أبى طالب وأمير المؤمنين الملك معاوية بن أبى سفيان رضى الله عنهما تفصيلا غير مقصود هنا –فلذلك توجد مصنفات مستقلة بل المقصود هو التذكير بما جاء ت الاشارة اليه فى هذا التعريف بهما أى لا وجه للمقارنة بينهما فالأفضلية ظاهرة لأحد الخلفاء الراشدين – رضى الله عنه – حتى وان كانت خلافته رضى الله عنه لم تتجاوز ربع مدة إمارة الثاني – رضى الله عنه – التى استمرت عشرين سنة لم ينازعه فيها أحد بالأمة بل رضى بها الجميع ومنهم السبطين الشريفين رضي الله عنهما وهما أفضل منه بلاريب ,ولكن كلاهما- الخليفة الراشد وأمير المؤمنين الملك – صحابي وكفى بهذه المنزلة مكانة تمنع المؤمن المسلم لنصوص الوحى من التنقص والبغض وهذا هو مقصدى بعنوان المطلب فكن يا أخى المؤمن سليم القلب لكل من ثبتت صحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم واياك من البغض لأي منهم خاصة الشيخين الصديق والفاروق رضى الله عنهما كالروافض أوالبغض للامام على كالنواصب وكلاهما أهل ضلال نجانا الله منه بالهدى واعتقاد الحق . ولما كثرت سهام التشويه حول الصحابي معاوية بن أبى سفيان – الذي له البخارى ومسلم رحمهما الله فى كتاب العلم بصحيحيهما حديث ( من يرد الله به خيرا يفقه فى الدين )- على سبيل التهدئة القلبية والسلامة – أذكرك بما قاله الامام البخارى رحمه الله – فى جامعه الصحيح آخر كتاب فضائل صحابة الرسول – تحت عنوانه باب ذكر معاوية رضى الله عنه وروى جملة من الأخبار فقال :- -حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا المُعَافَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ العِشَاءِ بِرَكْعَةٍ، وَعِنْدَهُ مَوْلًى لِابْنِ عَبَّاسٍ،-وهو كريب – فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: «دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» وقال حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: ” هَلْ لَكَ فِي أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ، فَإِنَّهُ [ص:29] مَا أَوْتَرَ إِلَّا بِوَاحِدَةٍ؟ قَالَ: «أَصَابَ، إِنَّهُ فَقِيهٌ» حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً، لَقَدْ صَحِبْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا» يَعْنِي: الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ –قال صاحب الفتح : قَوْلُهُ وَعِنْدَهُ مَوْلًى لِابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ كُرَيْبٌ رَوَى ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كتاب الْوتر لَهُ من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ كُرَيْبٍ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ مَعَ أَبِي عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فَرَأَيْتُهُ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ يَا بُنَيَّ هُوَ أَعْلَمُ قَوْلُهُ فَقَالَ دَعْهُ فِيهِ حَذْفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ السِّيَاق تَقْدِيره فأتى بن عَبَّاسٍ فحكي لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ دَعْهُ وَقَوْلُهُ دَعْهُ أَيِ اتْرُكِ الْقَوْلَ فِيهِ وَالْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ أَيْ فَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا إِلَّا بِمُسْتَنَدٍ وَفِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَصَابَ إِنَّهُ فَقِيهٌ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ ا ه .
– ثانيا : بداية لنتساءل هنا ما المقصود بالشيعة لغة واصطلاحا ؟أما المراد بهم لغة فقال الأزهري فى تهذيب اللغة: (والشيعة أنصار الرجل وأتباعه، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة).وقال الزبيدي فى تاج العروس : (كل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو شيعة له، وأصله من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة) كما قال ابن الأثير في نهايته: وأصل الشيعة: الفرقة من الناس وتقع على الواحد والاثنين والجمع والذكر والمؤنث بلفظ واحد ومعنى واحد وقد غلب هذا الاسم على كل من يزعم أنه يتولى علياً رضي الله عنه وأهل بيته حتى صار لهم اسماً خاصاً, فإذا قيل من الشيعة عرف أنه منهم, وفي مذهب الشيعة كذا أي عندهم وتجمع الشيعة علي شيع وأصلها من المشايعة وهي المتابعة والمطاوعة ا ه.ومن هنا مر التشيع لسيدنا على رضى الله عنه بمراحل –كما نعلم – كان مدلول التشيع في بدء الفتن التي وقعت في عهد علي رضي الله عنه بمعنى المناصرة والوقوف إلى جانب علي رضي الله عنه ليأخذ حقه في الخلافة بعد الخليفة عثمان، وأن من نازعه فيها فهو مخطئ يجب رده إلى الصواب ولو بالقوة. وكان على هذا الرأي كثير من الصحابة والتابعين، حيث رأوا أن علياً هو أحق بالخلاقة من معاوية بسبب اجتماع كلمة الناس على بيعته ولم يقف الأمر عند ذلك المفهوم من الميل إلى علي رضي الله عنه ومناصرته، إذ انتقل نقلة أخرى تميزت بتفضيل علي رضي الله عنه على سائر الصحابة، وحينما علم علي بذلك غضب وتوعد من يفضله على الشيخين بالتعزير، وإقامة حد الفرية عليه رغم أنهم فى هذه المرحلة لم يكفروا واحداً من المخالفين لعلي رضي الله عنه ولا من الصحابة، ولم يسبوا أحداً، وإنما كان ميلهم إلى علي وتفضيله على الشيخين نتيجة عاطفة وولاء. ثم بدأ التشيع بعد ذلك يأخذ جانب التطرف والخروج عن الحق، وبدأ الرفض يظهر وبدأت أفكار ابن سبأ تؤتي ثمارها الشريرة فأخذ هؤلاء يظهرون الشر، فيسبون الصحابة ويكفرونهم ويتبرءون منهم، ولم يستثنوا منهم إلا القليل كسلمان الفارسي، وأبي ذر، والمقداد، وعمار بن ياسر، وحذيفة. وحكموا على كل من حضر (غدير خم) بالكفر والردة لعدم وفائهم -فيما يزعم هؤلاء – ببيعة علي وتنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم بعلي في (غدير خم) المذكور. وصار المراد بالشيعة عامة فى الاصطلاح لكل من فضل علياً على الخلفاء الراشدين قبله رضي الله عنهم جميعاً، ورأى أن أهل البيت أحق بالخلافة، وأن خلافة غيرهم باطلة وتمادى المجرمون منهم السب والتكفير ولاحول ولا قوة الا بالله . وأختم نصيحتى بما قاله الإمام محمد بن إسماعيل الصنعانى – رحمه الله – في ثمرات النظر فى علم الأثر(من النخبة عند الجرح والتعديل ( الْبِدْعَة على ضَرْبَيْنِ فبدعة صغرى كغلو التَّشَيُّع أَو كَانَ التَّشَيُّع بِلَا غلو وَلَا تحرق فَهَذَا كثير فِي التَّابِعين وتابعيهم مَعَ الدّين والورع والصدق فَلَو ذهب حَدِيث هَؤُلَاءِ لذهب جملَة من الْآثَار النَّبَوِيَّة وَهَذِه مفْسدَة بَيِّنَة ثمَّ بِدعَة كبرى كالرفض الْكَامِل والغلو فِيهِ والحط على أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَالدُّعَاء إِلَى ذَلِك فَهَذِهِ النَّوْع لَا يحْتَج بهم وَلَا كَرَامَة انْتهى
قلت : هَذَا المثال لأحد أَنْوَاع الابتداع وَإِلَّا فَمن الابتداع النصب بل هُوَ شَرّ من التَّشَيُّع لِأَنَّهُ التدين ببغض عَليّ رَضِي الله عَنهُ كَمَا فِي الْقَامُوس فالأمران بِدعَة إِذْ الْوَاجِب وَالسّنة محبَّة كل مُؤمن بِلَا غلو فِي الْمحبَّة أما وجوب محبَّة أهل الْإِيمَان فأدلته طافحة كَمَا فِي صَحِيح مُسلم مَرْفُوعا (لَا تدخلون الْجنَّة حَتَّى تؤمنوا وَلَا تؤمنوا حَتَّى تحَابوا) الحَدِيث بل حصر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِيمَان فِي الْحبّ فِي الله كَمَا فِي حَدِيث (وَهل الْإِيمَان إِلَّا الْحبّ فِي الله) وَأما تَحْرِيم الغلو فِي كل أَمر من أُمُور الدّين فثابت كتابا وَسنة {لَا تغلوا فِي دينكُمْ} (إيَّاكُمْ والغلو فِي الدّين فَإِنَّمَا أهلك من كَانَ قبلكُمْ الغلو فِي الدّين) أخرجه أَحْمد وَالنَّسَائِيّ إِلَّا أَنه لَا يتَحَقَّق الغلو إِلَّا بِإِطْلَاق مَا لَا يحل إِطْلَاقه فِي المحبوب المغلو فِي حبه أَو فعل مَا لَا يحل فعله أَو ذكر الْغَيْر بِمَا لَا يحل لأَجله
وَأما زِيَادَة صُحْبَة الشَّخْص لبَعض أهل الْإِيمَان مَعَ محبته لَهُم جَمِيعًا فَهَذَا لَا إِثْم فِيهِ وَلَا قدح بِهِ وَإِن سمي غلوا-كما ذكره صاحب النخبة – وَقد كَانَ بعض الْمُؤمنِينَ عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحب إِلَيْهِ من بعض واشتهر أَن أُسَامَة ابْن زيد رَضِي الله عَنهُ حب رَسُول الله وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أحب نِسَائِهِ إِلَيْهِ .
– إِذا عرفت هَذَا فالشيعي الْمُطلق – الذي يميل بمحبته لسيدنا على أكثر من غيره – قد أَتَى بِالْوَاجِبِ من محبَّة هَذَا الْبَعْض من الْمُؤمنِينَ فَإِن كَانَ غاليا فقد ابتدع بالغلو وأثم إِن أفْضى بِهِ إِلَى مَا لَا يحل
وَأما مُجَرّد زِيَادَة الْمحبَّة والميل فَهُوَ إِذا صَحَّ أَنه غلو فَلَا إِثْم فِيهِ وَقد اتَّضَح لَك أَن الْحَافِظ ابن حجر قسم التَّشَيُّع ثَلَاثَة أَقسَام : الأول تشيع بِلَا غلو وَهَذَا لَا كَلَام فِيهِ كَمَا أَفَادَهُ قَوْله : أَو كَانَ التَّشَيُّع بِلَا غلو وَلَا تحرق وَلَا يخفى أَنه صفة لَازِمَة لكل مُؤمن وَإِلَّا فَمَا تمّ إيمَانه إِذْ مِنْهُ مُوالَاة الْمُؤمنِينَ سِيمَا رَأْسهمْ وسابقهم إِلَيْهِ فَكيف يَقُول قائل ذهب حَدِيث هَؤُلَاءِ يُرِيد الَّذين والوا عليا رَضِي الله عَنهُ بِلَا غلو وَمَا الَّذِي يذهبه بعد وَصفه لَهُم بِالدّينِ والصدق والورع لَيْت شعري أيذهبه فعلهم لما وَجب من مُوالَاة أَمِير الْمُؤمنِينَ الَّذِي لَو أخلوا بِهِ لأخلوا بِوَاجِب وَكَانَ قادحا فيهم وَللَّهدر كثير من التَّابِعين وتابعيهم فقد أَتَوا بِالْوَاجِبِ ودخلوا تَحت قَوْله تَعَالَى {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذين سبقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تجْعَل فِي قُلُوبنَا غلا للَّذين آمنُوا} وَتَحْت قَوْله تَعَالَى {وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ من الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان}وَمن هَا هُنَا تعلم أَن القَوْل بِأَن مُطلق التَّشَيُّع بِدعَة لَيْسَ بِصَحِيح والقدح بِهِ بَاطِل وَلَا قدح بِهِ حَتَّى يُضَاف إِلَيْهِ الرَّفْض الْكَامِل وَسَب الشَّيْخَيْنِ رَضِي الله عَنْهُمَا وَحِينَئِذٍ فالقدح فِيهِ بسب الصَّحَابِيّ لَا بِمُجَرَّد التَّشَيُّع وَالْقسم الثَّانِي من غلا فِي التَّشَيُّع وأسلفنا لَك أَنه أَتَى بِوَاجِب وابتدع فِيهِ – بمخالفة النص الشرعى بالتفضيل – إِن سلم أَن مُجَرّد الغلو بِدعَة إِلَّا أَنَّهَا بِدعَة لم يؤد الى كفر أو فسق . والثَّالِث من أَقسَام التَّشَيُّع من غلا وَحط على الشَّيْخَيْنِ فَهَذَا قد أفْضى بِهِ غلوه إِلَى محرم قطعا وَهُوَ سباب الْمُسلم وَقد ثَبت عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن سباب الْمُؤمن فسوق فَهَذَا فَاعل الْمحرم قطعا خَارج عَن حد الْعَدَالَة فَاسق تَصْرِيحًا فَاعل لكبيرة كَمَا يَأْتِي وتارك أَيْضا لواجب وَحِينَئِذٍ فَرده والقدح فِيهِ لَيْسَ لأجل مُطلق تشيعه وَهُوَ موالاته لعَلي رَضِي الله عَنهُ بل لسبه الْمُسلم وَفعله الْمحرم . -وَأما النصب فَعرفت من رسمه عَن الْقَامُوس أَنه التدين ببغض عَليّ رَضِي الله عَنهُ فالمتصف بِهِ مُبْتَدع شَرّ ابتداع أَيْضا فَاعل لمحرم تَارِك لواجب فَإِن محبَّة عَليّ رَضِي الله عَنهُ مَأْمُور بهَا عُمُوما وخصوصا أما الأول فَلِأَنَّهُ دَاخل فِي أدلته إِيجَاب محبَّة أهل الْإِيمَان
وَأما الْخَاصَّة فأحاديث لَا يَأْتِي عَلَيْهَا الْعد آمرة بحبه ومخبرة بِأَنَّهُ لَا يُحِبهُ إِلَّا مُؤمن وَلَا يبغضه إِلَّا مُنَافِق والشيعي إِن انضاف إِلَى حبه لعَلي رَضِي الله عَنهُ بغض أحد من السّلف فقد سَاوَى مُطلق الناصبي فِي بغضه لبَعض أهل الايمان وَبِهَذَا عرفت أَن الناصبي الْمُطلق خَارج عَن الْعَدَالَة فَإِن انضاف إِلَى نَصبه إِطْلَاق لِسَانه فِيمَن يبغضه فقد ازْدَادَ عَنْهَا بعدا والشيعي الْمُطلق مُحَقّق الْعَدَالَة وَإِن أبْغض وَسَب فَارق الْعَدَالَة وَحِينَئِذٍ يتَبَيَّن لَك أَنه كل التَّمْثِيل ببدعة النصب للابتداع الخارم للعدالة أولى إِذْ هُوَ على كل حَال بِدعَة قادحة بِخِلَاف التَّشَيُّع فالمطلق مِنْهُ لَيْسَ ببدعة بل فعله وَاجِب
وَقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر فِي مُقَدّمَة الْفَتْح التَّشَيُّع محبَّة عَليّ عَلَيْهِ السَّلَام وتقديمه على الصَّحَابَة فَمن قدمه على أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَهُوَ غال فِي التَّشَيُّع وَيُطلق عَلَيْهِ رَافِضِي وَإِلَّا فشيعي فَإِن انضاف إِلَى ذَلِك السب وَالتَّصْرِيح بالبغض فغال فِي الرَّفْض انْتهى كَلَامه
السابق بوست
قد يعجبك ايضا